"تصعيد أوكرانيا- سباق مع الزمن قبل إدارة ترمب وخطر التصعيد النووي"

المؤلف: رامي الخليفة العلي11.04.2025
"تصعيد أوكرانيا- سباق مع الزمن قبل إدارة ترمب وخطر التصعيد النووي"

منذ وصول الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، إلى سدة الحكم، شهد العالم تحولات جيوسياسية عميقة، حيث تسعى القوى المتنافسة جاهدة لفرض حقائق جديدة على أرض الواقع، واستخدامها كورقة رابحة في المفاوضات الدائرة. وتتجلى هذه التحولات بوضوح في التوترات المتصاعدة بين روسيا والغرب في أوكرانيا، التي أصبحت مسرحًا لتبادل الرسائل السياسية والعسكرية الحادة. في هذا السياق المتأزم، اتخذت الأطراف المنخرطة في الصراع خطوات تصعيدية جريئة، تعكس تصميمها على تغيير موازين القوى وفرض معطيات جديدة يمكن الاستناد إليها في المستقبل. يرى الجانب الروسي في الفترة المتبقية حتى العشرين من يناير المقبل، وهو موعد تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها، فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب عسكرية ملموسة، يمكن أن تشكل أساسًا لأي اتفاق سلام مستقبلي. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتردد في التعبير عن هذا التوجه، مؤكدًا عليه بوضوح خلال مكالمة هاتفية مع المستشار الألماني، وهي الأولى من نوعها منذ أكثر من عامين. وقد تجسد هذا التوجه في الهجوم الشرس الذي شنته القوات الروسية على شرق أوكرانيا، وسط اتهامات غربية لموسكو بالاعتماد على جنود من كوريا الشمالية لتعزيز مواقعها، خاصة في منطقة كورسك التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية. تعتبر منطقة كورسك ذات أهمية استراتيجية بالغة في هذا الصراع، حيث إن سيطرة روسيا عليها ستضع الجانب الأوكراني في موقف حرج وتجرده من أوراق الضغط الفعالة على طاولة المفاوضات. في المقابل، تدرك القوى الغربية تمام الإدراك أهمية هذه النقطة المحورية، ولذلك سارعت إلى تزويد أوكرانيا بأحدث الأسلحة المتطورة. وقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن دعمها الكامل لاستهداف العمق الروسي، مما أدى إلى تفاقم الوضع وإشعال فتيل التوتر بين الأطراف المتنازعة. علاوة على ذلك، يهدف التصعيد الغربي إلى الحد من النفوذ الروسي في المنطقة، ومنع موسكو من تحقيق أي نصر يمكنها استغلاله على المدى الطويل.

في هذا السياق المحفوف بالمخاطر، جاء الرد الروسي متوقعًا وإن كان يحمل في طياته تهديدًا خطيرًا، حيث لوحت موسكو باستخدام السلاح النووي كوسيلة أخيرة للدفاع عن النفس ضد أي محاولة لفرض الهزيمة عليها. كما استعرضت روسيا صاروخها فرط الصوتي «أورنشيك»، الذي يمثل تحديًا حقيقيًا لأنظمة الدفاع الغربية المتطورة. وتعتبر هذه الاستعراضات العسكرية بمثابة رسائل تحذيرية قوية موجهة إلى الغرب، تهدف إلى ردع أي تصعيد إضافي قد يقدم عليه. ولم تقف أوروبا مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد الخطير؛ فقد سارت فرنسا وبريطانيا على نفس النهج الأمريكي، وسمحتا باستخدام أسلحة مصنعة في أراضيهما لضرب العمق الروسي، مما زاد من حدة الأزمة وجعل المشهد أكثر تعقيدًا وتشابكًا. من زاوية أخرى، لم يكن القرار الأمريكي بالسماح باستهداف العمق الروسي مجرد تحرك تكتيكي عابر، بل كانت له أبعاد استراتيجية واضحة المعالم. فقد لقي هذا القرار ترحيبًا واسعًا في الأوساط الأوروبية، لأنه يعقد جهود إدارة ترمب المحتملة للتوصل إلى تسوية مع روسيا، ويحول دون تحقيق نصر روسي قد تكون تكلفته باهظة على القارة الأوروبية بأسرها. هذا الأمر أضاف مزيدًا من التوتر إلى المشهد المتأزم، وأدى إلى تعقيدات سياسية وعسكرية إضافية بين الأطراف المتنازعة. إن احتمالية تحول هذا النزاع المحدود إلى مواجهة شاملة باتت تثير قلقًا متزايدًا في الأوساط الدولية، خاصة وأن الطرفين يمتلكان ترسانات عسكرية هائلة وقدرات تدميرية غير مسبوقة. مع كل خطوة تصعيدية جديدة، يتضح جليًا أن هناك حالة من انعدام الثقة العميق بين الأطراف المتنازعة. لم يعد الأمر مجرد صراع على النفوذ الإقليمي، بل تجاوز ذلك ليصبح مواجهة على المستوى العالمي بين نظامين سياسيين متنافسين يسعيان لفرض رؤيتهما على العالم. هذا التصعيد المستمر يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الأمن والسلم الدوليين، وما إذا كانت هناك أي فرص حقيقية للعودة إلى طاولة المفاوضات في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والاحتقان. التحركات العسكرية المتسارعة والتصريحات النارية المتبادلة من الجانبين تشير بوضوح إلى أن الوضع قد يتدهور بشكل يصعب السيطرة عليه واحتوائه. إن التصعيد الحالي يُبرز الحاجة الملحة إلى تحلي جميع الأطراف بالعقلانية السياسية وضبط النفس، وتجنب أي خطوات إضافية قد تؤدي إلى تفاقم الوضع. فالعالم لا يحتمل المزيد من الانزلاقات نحو صراع شامل قد يقود البشرية جمعاء إلى كوارث يصعب تصورها. وإذا ما استمر هذا النهج التصعيدي المتهور، فإن تداعياته الخطيرة قد تتجاوز حدود أوكرانيا وروسيا لتشمل المجتمع الدولي بأسره. هناك حاجة ماسة إلى جهود دبلوماسية مكثفة ومنسقة، وإلى أصوات حكيمة تستطيع تهدئة الوضع المتوتر ومنع الانزلاق نحو مزيد من العنف والتطرف. يجب على الأطراف الدولية الفاعلة تحمل مسؤولياتها التاريخية في هذا الصدد، والعمل بجدية وإخلاص لمنع تحول النزاع إلى كارثة عالمية شاملة، لما لذلك من آثار وخيمة على الجميع دون استثناء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة